التمييز

فريق الصحافة البصرية في دويتشه فيله

نشر في 24.09.2019

المهاجرون والتمييز في جميع أنحاء أوروبا

بالنسبة إلى أيهم عيسى ، وهو لاجئ سوري في ألمانيا ، لا يكاد يمر يوم لا يتعرض فيه للتمييز. هو ليس وحده في ذلك. في جميع أنحاء أوروبا يبلغ المهاجرون واللاجئون عن تصاعد كراهية الأجانب. هذه هي بعض قصصهم.

يريد معظم الأوروبيين تحديد أعداد المهاجرين. معظم الأوروبيين يرحبون باللاجئين. معظم الأوروبيين يدعمون حظر الهجرة من الدول الإسلامية. كما يرغب معظمهم في قبول المهاجرين واحترام حقوقهم.

بغض النظر عن هذه العناوين المتناقضة بشأن مواقف الأوروبيين التي قد تكون مقتنع بها، إلا أن الجميع يخاطر بالتعتيم على أمر مجموعة واحدة: 12٪ من سكان الاتحاد الأوروبي أنفسهم هم مهاجرون.

إن تسليط الضوء على المهاجرين وعائلاتهم يكشف عن توجه قليلاً ما يتم التطرق إليه، وهو ما يتعلق بشأن الحياة في القارة الأوروبية وما الذي يحتاج إلى تغيير.

أنت لست من هنا

تبدأ القصة مع أيهم عيسى ، وهو محامٍ من سوريا يعيش الآن في ألمانيا.

تجربة أيهم عيسى

النمط

لكن أيهم ليس الوحيد الذي واجه مثل تلك المواقف في الملهى الليلي وفي المترو وفي سوق العمل.

في فيينا، تم تكليف فريق من الباحثين بتتبع ظاهرة التمييز العنصري والتحرش. يعمل هؤلاء لصالح "الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية"، وهي مركز أنشأه الاتحاد الأوروبي للتعامل مع حالات التعصب والدفاع عن الحقوق العالمية.

في أحدث تقرير لهم، قاموا بجمع عدد كبير من الأشخاص في 28 دولة بهدف إجراء حوارات مع نحو 150 الف شخص عاشوا في الاتحاد الأوروبي لمدة عام واحد على الأقل، على أن تكون بلاد ميلادهم أو بلاد والديهم خارج القارة الأوروبية. أجرى الباحثون بعض المقابلات بلغات أخرى غير اللغة الرسمية لكل بلد للمساعدة في التأكد من وصولهم إلى الأشخاص المقيمين الذين قد تُفتقد وجهات نظرهم في استطلاعات أخرى.

أظهرت النتائج الإجمالية أن 24٪ ممن شاركوا في الاستطلاع شعروا بالتمييز بسبب خلفياتهم العرقية أو الدينية أو لكونهم من خلفيات مهاجرة وذلك في الأشهر الـ 12 السابقة للمسح. يشير ذلك إلى أن ملايين الأشخاص، مثل اللاجئ السوري أيهم، كانوا يعانون من التمييز في الحياة اليومية: عدم المساواة في المعاملة ليس لأي سبب آخر سوى ذلك المتعلق بالخلفيات التي ينحدرون منها أو بالمعتقد.

لدي شعور بأننا لا نُعامل هنا في ألمانيا مثل الألمان أو الأوروبيين

ويشير التقرير إلى أن الوضع يزداد سوءًا بالنسبة للعديد من المجتمعات. ما صدر عن فريق البحث هو دليل إدانة: لقد فشلت المعركة ضد التمييز والكراهية، وقالوا إن القوانين والسياسات الرامية لمعالجة المشكلة لا توفر الحماية الكافية للأشخاص الذين يهدفون إلى خدمتهم.

أفاد 10٪ إلى 31٪ ممن المستطلعة آرائهم من أربع مجتمعات مهاجرة في الاتحاد الأوروبي أنهم تعرضوا للتمييز في الأشهر الـ 12 السابقة لاستطلاع الرأي.

Which migrant communities experience the most discrimination in Europe

بذور الكراهية

ما هو الدافع للتمييز العنصري في أوروبا؟

بين عامي 2015 و 2016 وصل إلى أوروبا حوالي 3 ملايين شخص، هربًا من الحرب والاضطهاد. التقارير الإعلامية وصفت الأمر بأنه "أزمة هجرة" بسبب الزيادة المفاجئة في أعداد القادمين، وكثيراً ما افترضت تلك التقارير الإعلامية أن العداء تجاه المهاجرين كان نتيجة طبيعية وأمر حتمي لا مفر منه.

لكن هل من العدل إلقاء مشكلة "رُهابُ الأَجانِب وكرههم" على مجرد وجود أجانب؟ يبدو هذا الافتراض أكثر إثارة للشك في ضوء الأدلة على أن الأحكام المسبقة الموجودة اليوم يمكن تتبعها وصولاً إلى الأفكار التي زرعت قبل وقت طويل من قدوم اللاجئين من سوريا وأفغانستان.

إذا كان السياسيون يرددون باستمرار بأن الأقليات تشكّل تهديداً، فلا بد أن تخرج هذه الإشارات إلى المجتمع

أمضت ليز فيكيتي، مديرة معهد العلاقات العرقية في لندن ، العقود الثلاثة الماضية في مراقبة هذه الظاهرة.

بتتبعها لخطاب أبرز السياسيين على الساحة، تشرح كيف يميل الموقف الرسمي بشأن المهاجرين نحو أقصى اليمين وكيف يؤثر ذلك على أفراد الأقليات في الاتحاد الأوروبي.

ليز فيكيتي عن انضمام الوسط إلى اليمين المتطرف

الحالة الهولندية

إن وضع المهاجرين في مختلف دول الاتحاد الأوروبي ليس هو نفسه دائماً. لكن إن كان هناك بلد واحد يمكن أن ينظر إليه باعتباره مؤشراً على تطور العنصرية في أوروبا، فإن هولندا تعتبر مرشحاً جيداً في هذا الإطار.

في تسليطها الضوء على تجربة مجتمعات المهاجرين في شمال إفريقيا، وهي مجموعة ممثلة في أكثر الدول الأوروبية، تكشف أرقام الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية عن زيادة حادة في عدد الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز في هولندا.

تشير الإحصاءات إلى أن العنصرية تزداد سوءًا في أوروبا

بين عامي 2008 و 2016، انخفض عدد الأشخاص من أصول شمال إفريقية الذين يبلغون بأنفسهم عن تعرضهم للتمييز وذلك في بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا وبلجيكا وإسبانيا ...

... ولكن في بلدان أخرى مثل هولندا وفرنسا، تزايد عدد الأشخاص من أصول شمال إفريقية الذين أبلغوا عن تعرضهم للتمييز في عام 2016 مقارنة بعام 2008

كيف انتشرت الأفكار اليمينية عن الهجرة

لم تكن هناك زيادة في الهجرة إلى هولندا في هذا الوقت. في الواقع، انخفض صافي الهجرة من 2.6 ٪ في عام 2008، إلى 1.9 ٪ في عام 2016. لكن الزيادة في التمييز يمكن فهمها بشكل أسهل عند النظر إلى المشهد السياسي في البلاد خلال هذه الفترة. إنها قصة تم التلاعب بها واستغلالها منذ ذلك الحين بطرق مماثلة في العديد من البلدان الأوروبية الأخرى.

فمن ناحية، كان هناك سياسيون يؤججون المشاعر على غرار بيم فورتوين وخيرت فيلدرز، اللذان اجتذبا تغطية إعلامية كبيرة فحصلا على الدعم من خلال خطابهم اليميني المتطرف. وكان اختيار المهاجرين كتهديد ثقافي للمجتمع الهولندي وتحديد المسلمين على وجه الخصوص كسبب مفترض لإثارة القلق، قد أطلق عناوين الصحف وجذب انتباه الرأي العام.

في الوقت نفسه، اتخذت هذه الأفكار شكل حركات احتجاج ضد الهجرة، وغالباً ما تبنت خطاب الإسلاموفوبيا "الخوف من الإسلام". وفي حين أن هذه الأفكار كانت أبعد ما تكون عن القبول بها على المستوى العالمي، كانت هناك أيضاً احتجاجات مضادة لأشخاص أرادوا الترحيب باللاجئين في البلاد، بيد أن السياسيين البارزين أخذوا تلك الأفكار على محمل الجد وبدأوا بدمجها في سياساتهم وخطاباتهم.

كان يُنظر إلى رئيس الوزراء الهولندي مارك روته على أنه من المتبنين لأسلوب اليمين الراديكالي عندما وقف خلف خروج صفحة كاملة بإحدى الصحف في شكل إعلان، وذلك خلال حملة انتخابية في يناير/ كانون الثاني 2017. الإعلان الذي اتخذ شكل رسالة كتبها رئيس الوزراء نفسه، جاء فيه أن الأقليات كانت تتسرع في الشكوى من تعرضها للتمييز. وكتب يقول: "إذا كنت ترفض بلادنا، فإنني أفضل أن تغادرها"، مضيفاً: "كن طبيعياً أو غادر".

صعود العنصرية في هولندا في صور

Has populism gone mainstream?

حصل حزب خيرت فيلدرز على 13٪ من الأصوات في الانتخابات العامة الأخيرة بهولندا عام 2017. لكن الحزب ما يزال في المعارضة، ويُعتبر من الأحزاب المثيرة للجدل. إذن، إلى أي مدى انتشرت أفكار هذا الحزب حقاً داخل المجتمع؟

بالنسبة إلى عبدو المنبهي الذي يدير خطاً ساخناً لمسلميّ هولندا للإبلاغ عن الحوادث العنصرية، فإن الاتجاه واضح للغاية.

عبده منبحي يتحدث عن تجربته

عداء عن قصد

لم يكن الخطاب التحريضي للأحزاب القومية وحده هو ما شجع بشكل مباشر على التمييز، لكن التغييرات السياسية الملموسة من الحكومات الأوروبية قد تكون ساهمت هي الأخرى في عدم المساواة في المعاملة.

قام الباحثون الذين يعملون على مؤشر سياسة تكامل المهاجرين (MIPEX) بتجميع دليل تفصيلي احتوى حتى على أقل التغييرات التي حدثت لسياسات الهجرة في دول الاتحاد الأوروبي. هذه المبادرة الممولة من الاتحاد الأوروبي ، وهي ائتلاف من الخبراء في الجامعات ومؤسسات الفكر والرأي داخل أوروبا وخارجها ، تقوم بجمع بيانات متتبعة ما تفعله الحكومات لتمكين المهاجرين من المشاركة بشكل كامل وعلى قدم المساواة في المجتمع.

عملت دويتشه فيله DW على تحليل البيانات لتحديد التغيرات الضارة بسياسات الهجرة للفترة بين عامي 2008 و2014، وهي آخر سنة توفرت عنها بيانات. في ذلك الوقت، فرضت 21 دولة من بين 28 دولة في الاتحاد الأوروبي قيوداً جديدة على حقوق الأجانب. ويظهر ذلك مدى انتشار أجندة مكافحة الهجرة، حتى قبل ارتفاع معدلات الهجرة في الفترة ما بين 2015 و2016.

حتى في البرلمان الهولندي يلقى الخطاب المعادي للمسلمين قبولاً. بات الأمر شائعاً للغاية.

كانت هولندا هي الدولة التي أجرت أكبر عدد من تلك التغييرات، واتخذت تدابيراً في 17 مجالًا مختلفاً، بما في ذلك الحد من حصول المهاجرين على التعليم الجامعي، وتطبيق قواعد أكثر صرامة على لمّ الشّمْل العائلات، وتقييد الوصول إلى الوظائف وتقليل التمويل الحكومي لمجموعات الدفاع عن المهاجرين. هذا التحول نقل هولندا من بين الدول الأوروبية الأكثر انفتاحاً إلى واحدة من أقل الدول ترحيباً بالمهاجرين.

توفر مجموعة السياسات المناهضة للمهاجرين التي يم تتبعها في بيانات مؤشر سياسة تكامل المهاجرين MIPEX المزيد من الأدلة التي تشير إلى أن مشاعر التمييز التي يتعرض لها أشخاص من مجموعات الأقليات ليست مجرد تصرفات متعصبة يقوم بها أفراد.

من القول إلى الفعل

من الممكن أن يكون لحوادث التمييز التي تقع يومياً تأثير خطير على أولئك الذين يتعرضون لها. على الرغم من أنها أقل تكراراً، إلا أن التحامل وإطلاق الأحكام المسبقة يمكن ألا يتخذ شكل الكلمات والأفكار فحسب، وإنما العنف الجسدي أيضاً.

خَبَرت آسا تراوري هذه الأمور عن قرب: إذ تُوفي شقيقها، أداما تراوري، في مقر احتجاز للشرطة بباريس عام 2016. القصة الرسمية هي أنه توفي متأثراً بأمراض كان يعاني منها، لكن آسا تعتقد أن تفاصيل وفاة شقيقها ينطبق عليها نمط قتل الشرطة للرجال من أصول إفريقية. وتقود آسا الآن حملةً لإظهار الحقيقة.

آسا تراوري تتحدث عن تجربتها

آسا تراوري تتحدث عن تجربتها

الكثير من أدلّة آسا تراوري تدعمها بالفعل تقارير رسمية، إذ وجد أحد المحققين في الشكاوى عام 2017 أن عمليات توقيف الشرطة لشبان من أصول إفريقية كانت تتسم بالوحشية. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن عمليات التحقق من الهوية التي تجريها الشرطة "تتم بطريقة تنطوي على التمييز ومسيئة بحق جزء من السكان".

وفاة شقيقها أداما تراوري باتت الآن موضوع تحقيق رسمي. فلننتظر ونرى ما إن كانت الدولة ستبرأ الجناة في نهاية المطاف، كما حدث في الكثير من حالات وفاة أشخاص خلال احتجازهم لدى الشرطة الفرنسية.

وفي مواجهة وقائع سابقة من التمييز والشتائم والعنف، قرر البعض في الاتحاد الأوروبي الدعوة إلى التغيير.

عبدو المنبهي هو أحد الذين نقلوا خبراتهم الحياتية اليومية إلى الساحة السياسية. لقد جمع الأموال من أجل إطلاق تحد قانوني ضد السياسي الهولندي خيرت فيلدرز، بدعوى أن تعليقاته حول المغاربة ترقى إلى مستوى التحريض.

وافقت المحكمة، وأدين فيلدرز الذي استأنف القرار، لكن يبدو أن قدرته على كسب التأييد عبر خطاب كراهية الأجانب قد تلقت ضربة قاضية بالفعل: فقد خسر حزبه جميع مقاعده في انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر الماضي.

قد يبدو تطور مثل هذا صغيراً في مواجهة موجة العداء. لكن حملة المنبهي توضح ما هو ممكن عندما تُسمع أصوات المهاجرين.

القائمون على العمل

المؤلف: توم ويلز

ترجمة: عماد الدين حسين

صحافة الفيديو: توم ويلز, غونا كيتيلز

البحث عن الصور: رونكا أوبرهامر, غوران كوتانوسكي

أرشيف البحث: هايكي اولريش, شتيفان ريتر

انتاج الفيديو: برافافورن خانخينغ, ويلي, مارسيل إيبل, ستيفان إيتشبرغ, جاكي دوشمين, كلوديا بيجيتش, كريس رايت, شارلوت فيتيج, بيتر ثورن, باسكال سينتيناك, شميدت

تصميم الفيديو: رينيه لانج

تحرير: جيانا غرون , ساندرا بيترسمان

مراجعة لغوية: ميلان غاغنون

التطوير: أولغا أوروسوفا-مايسيلز, سولفيغ بلانك , أولوف بوك

تصميم الموقع: فيليب جيلينتين, كريستيان كون, آنا ستيلياناكيس, أنجيلا ديهيو